التلمذة 5


مبادئ التلمذة

تناولنا في المحاضرة السابقة المبدأ الاول والثاني من مبادئ التلمذة وهي المواظبة والإنتماء، ورأينا كيف أنهما وجهي عملة واحدة, فالمواظبة تخلق فيً الانتماء والانتماء يساعدني على المواظبة. والآن سوف نتناول المبدأ الثالث الذي تقوم عليه هذه المدرسة.
الإنضباط
أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يَرْكُضُونَ فِي الْمَِيْدَانِ جَمِيعُهُمْ يَرْكُضُونَ وَلَكِنَّ وَاحِداً يَأْخُذُ الْجَعَالَةَ؟ هَكَذَا ارْكُضُوا لِكَيْ تَنَالُوا. وَكُلُّ مَنْ يُجَاهِدُ يَضْبِطُ نَفْسَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. أَمَّا أُولَئِكَ فَلِكَيْ يَأْخُذُوا إِكْلِيلاً يَفْنَى وَأَمَّا نَحْنُ فَإِكْلِيلاً لاَ يَفْنَى. إِذاً أَنَا أَرْكُضُ هَكَذَا كَأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ غَيْرِ يَقِينٍ. هَكَذَا أُضَارِبُ كَأَنِّي لاَ أَضْرِبُ الْهَوَاءَ. بَلْ أَقْمَعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ حَتَّى بَعْدَ مَا كَرَزْتُ لِلآخَرِينَ لاَ أَصِيرُ أَنَا نَفْسِي مَرْفُوضاً.(1كو9: 24- 27)
الانضباط واحدٌ من المبادئ الرئيسية والهامة في حياة كل تلميذ يريد أن يتغير ليكون مشاباً لصورة الرب يسوع.
من الشاهد السابق يمكننا تعريف الانضباط بأنه ضبط النفس والسيطرة عليها والجهاد معها وقمعها وفقاً لمجموعة من التعليمات المعطاة.
والمقصود هنا ليس ضبط النفس في الصراع ضد الخطية فقط، بل هو أيضاً ضبط النفس أمام أي عادة أو أسلوب حياة من شأنه أن يُضعف النفس والروح في مسيرتهم مع الله.
ويتقدم الرسول بولس أكثر في تعريف معنى كلمة الانضباط فيُصور نفسه كلاعب ملاكمة في الألعاب الاوليمبية وهو يسدد اللكمات إلى جسده، وحسب أصول اللغة فهذه الكلمة تعني بالتحديد أنه يسدد اللكمات في المنطقة أسفل عينيه وهي من المناطق الحساسة في جسد الإنسان. إنه يريدنا أن لا نشفق على أنفسنا وعلى الاتجاهات الخارجة منا أو على عاداتنا وأفكارنا بل أن نواجهها بكل حزم وشدة.
فلم يرد الرسول بولس أن يكون جسده ورغباته هما السيد الآمر على حياته، بل أمسك هو بزمام القيادة ليُخضع جسده وشهواته لكي لا يصير هو نفسه مرفوضاً.
ضبط النفس له العديد من التطبيقات العملية في حياتنا مع الله كتلاميذ في مدرسة المسيح منها:
الانضباط في الفكر
أَخِيراً أَيُّهَا الإِخْوَةُ كُلُّ مَا هُوَ حَقٌّ، كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ، كُلُّ مَا هُوَ عَادِلٌ، كُلُّ مَا هُوَ طَاهِرٌ، كُلُّ مَا هُوَ مُسِرٌّ، كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ، فَفِي هَذِهِ افْتَكِرُوا.
(في4: 8)
علينا أن نختار لأنفسنا الأمور التي نفكر فيها، فلا نترك أذهاننا تفكر في أي شيء من غير ضابط أو متحكم, فمثلاً إذا وضعنا كل تفكيرنا في غضبنا وحنقنا على شخص أخطأ في حقنا فلن نستطيع أن نغفر له, وإذا ملئنا ذهننا بالتفكير في طموحنا وأحلامنا الشخصية سنجد أنفسنا منحصرين في نفوسنا عابدين لذواتنا, وإذا فكرنا في أهوائنا وشهواتنا وأمتلئ ذهننا بالصور النجسة فلا عجب إذا وقعنا في الخطية.
لذلك يجب علينا حتى نستطيع أن نكون تلاميذ للرب يسوع أن نتحكم في أفكارنا التي تدور في أذهاننا.
الانضباط في المشاعر
اَلْبَطِيءُ الْغَضَبِ خَيْرٌ مِنَ الْجَبَّارِ وَمَالِكُ رُوحِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَدِينَةً. (أم16: 32)
علامة من علامات النضوج النفسي هوانضباط المشاعر فلا أكون مُساق وراء مشاعري وعواطفي فتجذبني حيث تريد دون انضباط، ولأن مشاعري ليست مصممة لأجل قيادة حياتي فسوف تكون العاقبة وخيمة.
الانضباط في اللسان
وَأَمَّا اللِّسَانُ فَلاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنْ يُذَلِّلَهُ. هُوَ شَرٌّ لاَ يُضْبَطُ، مَمْلُّوٌ سُمّاً مُمِيتاً. بِهِ نُبَارِكُ اللَّهَ الآبَ، وَبِهِ نَلْعَنُ النَّاسَ الَّذِينَ قَدْ تَكَوَّنُوا عَلَى شِبْهِ اللَّهِ.(يع3: 8, 9)
ليس أبرع وأكمل من الآيات السابقة التي تصف لنا كيف يستطيع اللسان أن يكون بركة لحياة من حولي وكيف يكون لعنة لي ولكل من يسمعني.
مَنْ يَحْفَظُ فَمَهُ يَحْفَظُ نَفْسَهُ. مَنْ يَفْغَرُ شَفَتَيْهِ فَلَهُ هَلاَكٌ.(أم13: 3)
الانضباط في استخدام الوقت
فَانْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِالتَّدْقِيقِ، لاَ كَجُهَلاَءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ، مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ. (أف5: 15, 16)
حياتنا هي مجموع الساعات التي نعيشها سواء صنعنا فيها أشياء جيدة أو أشياء سيئة، لذلك يقول الرسول بولس: ” فَأَقُولُ هَذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ: الْوَقْتُ مُنْذُ الآنَ مُقَصَّرٌ …” (1كو7: 29)، فالوقت هو أثمن ما في حياتنا “مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ.” (أف5: 16)

يوجد العديد من التطبيقات العملية للانضباط وماتناولناه كان مجرد أمثلة لما ينبغي أن تكون حياتنا عليه مثل الانضباط في صرف الأموال ماذا أشتري؟ ومتى؟ والانضباط في تناول الطعام كميته ونوعيته وهكذا…
الانضباط بهذا المفهوم لا يولد معنا ولا يأتي فجأة وليس هو عطية إلهية أعطاها الله لبعض الناس وأغفلها عن الباقي, بل هو مبدأ من مبادئ مدرسة المسيح يحتاج إلى تدريب مستمر لفترة زمنية حتى يصير مبدأ متأصل في حياتنا. لذلك لا يوجد شخص لا يستطيع أن يتعلم الانضباط بل كلنا مدعوون أن نتعلم ونتدرب أن نكون منضبطين في حياتنا. أيضاً لا نستطيع أن نتعلم هذا المبدأ الرائع الذي هو الانضباط بالاعتماد على ذواتنا لكن يجب علينا أن ننتمي لهذه المدرسة وسوف يتعهد الرب يسوع بتعليمنا وتدريبنا.
إن تعلَم هذه المبادئ التي تقوم عليها مدرسة المسيح ليس هو شرط القبول والدخول في هذه المدرسة والا لن يلتحق بها أحد, بل هو عقد اتفاق بينك وبين الرب يسوع المسيح مُعلم هذه المدرسة وصاحبها وواضع مناهجها, تقرر فيه بأنك تريد أن تتعلم هذه المبادئ، كما توافق بدون قيد أو شرط أنه في خلال رحلة وجودك في هذه المدرسة أن تتشكل حياتك وأفكارك وفقاً لهذه المبادئ.
رحلة التعلّم في مدرسة المسيح ليست بضع ساعات قليلة أو كثيرة، بل هي رحلة الحياة بكاملها فيها تتحول من خلال هذه المدرسة إلى تلميذ يعيش وفقاً لهذه المبادئ, وهذا هو دور المدرسة التي تُعلّم وتُدرّب وتُتابع حتى تتأكد من تحول هذا الحق إلى حياة حقيقية معاشة.

التلمذة 4


مبادئ التلمذة

تناولنا في الجزء الأول من دراستنا لموضوع التلمذة الفرق بين المدرسة اليونانية في التعليم ومدرسة المسيح، ووجدنا أن هناك خمسة فروق رئيسية بين هاتين المدرستين تجعل من مدرسة المسيح طريقة متميزة وفريدة ومؤثرة للتعلُّم عن المدرسة اليونانية.
والآن سوف نتناول المبادئ والقيم الاساسية التي تقوم عليها هذه المدرسة, فهذه المدرسة لها خمس قيم ومبادئ رئيسية هي:
1. المواظبة
هي المداومة بانتظام واستمرار على التعلُّم والتدرُب وليس خضوعاً لمشاعري وعواطفي أو حسب ميولي واتجاهاتي واستحساني، والآيات الآتية توضح هذا المبدأ:
– “وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ وَالشَّرِكَةِ وَكَسْرِ الْخُبْزِ وَالصَّلَوَاتِ.”(أع2: 42)

– “وَكَانُوا كُلَّ يَوْمٍ يُواظِبُونَ فِي الْهَيْكَلِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ. وَإِذْ هُمْ يَكْسِرُونَ الْخُبْزَ فِي الْبُيُوتِ كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ الطَّعَامَ بِابْتِهَاجٍ وَبَسَاطَةِ قَلْبٍ.”(أع2: 46)

– “هَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلاَةِ وَالطِّلْبَةِ مَعَ النِّسَاءِ وَمَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ وَمَعَ إِخْوَتِهِ” (أع1: 14)

– “فَرِحِينَ فِي الرَّجَاءِ صَابِرِينَ فِي الضَِّيْقِ مُواظِبِينَ عَلَى الصَّلاَةِ” (رو12:12)

– “وَاظِبُوا عَلَى الصَّلاَةِ سَاهِرِينَ فِيهَا بِالشُّكْرِ” (كو4: 2)
– “لاَحِظْ نَفْسَكَ وَالتَّعْلِيمَ وَدَاوِمْ عَلَى ذَلِكَ، لأَنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ هَذَا تُخَلِّصُ نَفْسَكَ وَالَّذِينَ يَسْمَعُونَكَ أَيْضاً”.(2تي4: 16)

– “وَأَمَّا الطَّعَامُ الْقَوِيُّ فَلِلْبَالِغِينَ، الَّذِينَ بِسَبَبِ التَّمَرُّنِ قَدْ صَارَتْ لَهُمُ الْحَوَاسُّ مُدَرَّبَةً عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ”.(عب5: 14)

ما هي الأمور التي ينبغي أن نواظب عليها؟
– “وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ وَالشَّرِكَةِ وَكَسْرِ الْخُبْزِ وَالصَّلَوَاتِ”.(أع2: 42):
1. تَعْلِيمِ الرُّسُلِ
هو المنهاج الذي يجب أن أتعلمه والذي هو المسيح, فالرسل في كل تعليمهم كانوا يُشيرون إلى يسوع حياته وموته وقيامته فصار يسوع هو المعلم وهو المنهاج.
2. وَالشَّرِكَةِ
الشركة مع الإخوة والانفتاح عليهم وإعطائهم الحق في توجيهي وتدريبي, ليكون لنا شركة بعضنا مع بعض فيطهرنا دم المسيح من كل خطية.
3. وَكَسْرِ الْخُبْزِ
التناول من جسد الرب ودمه لنثبت فيه وهو فينا.
4. وَالصَّلَوَاتِ
فكانوا يواظبون على الصلوات بكل أنواعها من تسبيح وشكر وطلب وتشفع, وكذلك الصلوات الشخصية والجماعية, سواء أكانت في المجمع أوفي البيوت.

2. الإنتماء والولاء
الانتماء في مدرسة المسيح هو إنتماء لله، أي للمعلم الوحيد في هذه المدرسة وهو الرب يسوع وكذلك هو إنتماء لجسد المسيح أي إلى الكنيسة. قد يكون الانتماء لله في هذه المدرسة وفي الحياة مع الله بصفة عامة في غاية اليسر والسهولة، ولكن من شروط هذه المدرسة الإنتماء إلى كل من المسيح وجسده مهما كانت صعوبة هذا المبدأ.

“وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْساً فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ”. (أف1: 22, 23)
الانتماء لله
“لأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ”. (أف5: 30)
وحدتنا وإنتمائنا للمسيح ينبغي أن تُفهم على صورتها الواقعية كما شرحها الرسول بولس تماماً، فنحن حقاً أعضاء جسده وجزء منه, والرب يسوع يدعونا إلى هذه العلاقة الحميمة معه، فنذهب حيثما يذهب ولا نذهب حيثما لايريدنا هو أن نذهب. التلميذ في مدرسة المسيح يظل تلميذاً في هذه المدرسة.. كل إنتمائه وولائه للمسيح المعلم، لذلك هو لا يرتبط بتعليم بل بشخص، وعليه فلا يستطيع أن يترك معلمه الذي أصبح مرتبطاً به أكثر من أبيه وأمه.
وكذلك ليس كاليهود، بعد تعلمهم الشريعة والناموس، يجب عليهم أن ينفصلوا عن معلّميهم، وأن يعلّموا بدورهم آخرين.
– “وَكَانَ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ سَائِرِينَ مَعَهُ فَالْتَفَتَ وَقَالَ لَهُمْ: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَيَّ وَلاَ يُبْغِضُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَامْرَأَتَهُ وَأَوْلاَدَهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَخَوَاتِهِ حَتَّى نَفْسَهُ أَيْضاً فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذاً”.(لو14: 25, 26)

– “مَنْ أَحَبَّ أَباً أَوْ أُمّاً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي وَمَنْ أَحَبَّ ابْناً أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي” (مت10: 37)
الإنتماء للجسد (الكنيسة)
– “هَكَذَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ وَأَعْضَاءٌ بَعْضاً لِبَعْضٍ كُلُّ وَاحِدٍ لِلآخَرِ”.(رو12: 5)
– “فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ جَسَدٌ وَاحِدٌ لأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي الْخُبْزِ الْوَاحِدِ”.
(1كو 10: 17)
– “لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضاً اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ يَهُوداً كُنَّا أَمْ يُونَانِيِّينَ عَبِيداً أَمْ أَحْرَاراً. وَجَمِيعُنَا سُقِينَا رُوحاً وَاحِدا”ً.(1كو12: 13)

أهمية إنتمائنا بعضاً لبعض(للجسد)
 انتمائنا للجسد وإرتباطنا بعضاً لبعض هو وسيلة من الوسائل التي يستخدمها الله لتهذيبنا و تشذيبنا و تلمذتنا
“الْحَدِيدُ بِالْحَدِيدِ يُحَدَّدُ وَالإِنْسَانُ يُحَدِّدُ وَجْهَ صَاحِبِه”ِ.(أم27: 17)
لأنه في وسط الجسد وأثناء معاملتنا بعضنا لبعض يظهر كبريائنا وأنانيتنا وضعفاتنا فنستطيع أن نتلامس معها ونعرفها, فنعترف بها أمام الله والإخوة فيتمكن الروح القدس من تغييرنا.
“وَجَاءَ إِلَى كَفْرِنَاحُومَ. وَإِذْ كَانَ فِي الْبَيْتِ سَأَلَهُمْ: «بِمَاذَا كُنْتُمْ تَتَكَالَمُونَ فِي مَا بَيْنَكُمْ فِي الطَّرِيقِ؟» فَسَكَتُوا لأَنَّهُمْ تَحَاجُّوا فِي الطَّرِيقِ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ فِي مَنْ هُوَ أَعْظَمُ. فَجَلَسَ وَنَادَى الاِثْنَيْ عَشَرَ وَقَالَ لَهُمْ: «إِذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَكُونَ أَوَّلاً فَيَكُونُ آخِرَ الْكُلِّ وَخَادِماً لِلْكُلِّ»”.(مر9: 33- 35)
 أعطى الله للجسد المواهب والوزنات المتنوعة, والروح القدس يريد أن يستخدمها لأجل بنيان بعضنا البعض, لذلك فإنتمائنا للجسد يساعدنا أن ننمو وأن ننضج وأن نصير مشابهين صورة المسيح.
“لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ، لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ،”(أف4: 12)
 إنتمائنا للجسد يوفر لنا مكاناً مناسباً لفهم الحق وتطبيقه والتَدرب عليه والخروج إلى النور لمشاركة أعماق قلوبنا مع اخوتنا.
– “وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ وَالشَّرِكَةِ وَكَسْرِ الْخُبْزِ وَالصَّلَوَاتِ”.(أع2: 42)
– “وَكَانُوا كُلَّ يَوْمٍ يُواظِبُونَ فِي الْهَيْكَلِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ. وَإِذْ هُمْ يَكْسِرُونَ الْخُبْزَ فِي الْبُيُوتِ كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ الطَّعَامَ بِابْتِهَاجٍ وَبَسَاطَةِ قَلْبٍ مُسَبِّحِينَ اللهَ وَلَهُمْ نِعْمَةٌ لَدَى جَمِيعِ الشَّعْبِ”.
(أع2: 46)
في الحلقة القادمة، سوف نناقش بقية مبادئ التلمذه.

التلمذة 3


التلمذة 3

في هذه الحلقة، سوف نستكمل أوجه المقارنة بين مدرسة الرب يسوع والمدرسة اليونانية في التعليم:
ثالثاً: العلاقة بين المادة والمعلم
في نظام التعليم المطبق في مدارسنا, هناك فرق كبير بين المادة التي يتم تدريسها وبين المُعلم الذي يقوم بتدريس المادة, فليس من الضروري أن يكون المعلم مقتنعاً بما يُعلم أو حتى ملماً بكل جوانب المادة التعليمية التي يعلمنا إياها. إنه فقط يؤدي وظيفة يتقاضى عليها أجراً.
أما في مدرسة المسيح فلا يوجد أي إنفصال بين المادة التي يريد المسيح أن يعلمنا إياها وبين مُعلم هذه المدرسة، وذلك لأن المادة التي يريد المسيح أن يعلمها لنا هي حياته هو:
– “وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَمْ تَتَعَلَّمُوا الْمَسِيحَ هَكَذَا” (أف4: 20)
ليس الهدف من قراءة الكتاب المقدس أن نتعلم حقائق الإيمان أو حفظ الآيات رغم أهمية ذلك. إن الهدف الأساسي هو أن نتعلم المسيح نفسه, فنلاحظه في مواقفه الحياتية التي عاشها بيننا؛ كيف كان يتعامل مع الخطاة والعشارين, وكيف كان ينظر إلى قيمة المرأة في المجتمع, ونظرته إلى الأفكار اليهودية البالية, وشجاعته في إعلان الحق وهكذا.
– “لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئاً بَيْنَكُمْ إِلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوباً”. (1كو2:2)
فالمعلم في مدرسة المسيح يعلمني حياته, ليس ما يقوله بل ما يحياه بالفعل أيضاً…
لذلك يجب على التلميذ الحقيقي أن يمشي مقتفياً آثار المُعلم؛ يبحث عنه في الكتاب المقدس، وينظر إليه، ويتأمل في أقواله، ويشاهد حياته.

رابعاً:هدف التعلُّم
الهدف في مدرسة الحياة هو زيادة المعرفة والحكمة والفهم لكي نكون متميزين في أداء أدوارنا كي نحقق النجاح.
أما الهدف في مدرسة المسيح هو تغيير القلب وتشكيل الذهن ليكون مشابه لصورة المُعلم الحقيقي الوحيد, فليس الهدف هنا هو حضور الاجتماعات أوالذهاب إلى المؤتمرات لكي يمتلئ ذهني بالمعلومات, لكن مايريده الرب يسوع هو أن نسمح للروح القدس أن يغير قلوبنا وأذهاننا فنتحول إلى أشخاص مخلوقين بحسب قلب الله.
– “لَيْسَ التِّلْمِيذُ أَفْضَلَ مِنَ الْمُعَلِّمِ وَلاَ الْعَبْدُ أَفْضَلَ مِنْ سَيِّدِهِ يَكْفِي التِّلْمِيذَ أَنْ يَكُونَ كَمُعَلِّمِهِ وَالْعَبْدَ كَسَيِّدِه”ِ. (مت10: 24)
– فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَ تَصِيرَانِ صَيَّادَيِ النَّاسِ (مر1: 17)
عندما أحاول أن أعيش الحياة المسيحية بكل مبادئها دون أن يتغير قلبي ويتشكل ذهني، يكون النير ثقيل جداً والِحمل لا يطاق, لكن عندما أتعلم أن يكون قلبي مثل قلب المسيح أجد النير خفيف والحمل هين.
وبالتالي نستطيع أن نكون لطفاء مع أصدقائنا وودعاء مع عائلتنا ونكون قادرين على التنازل عن حقوقنا لأصدقائنا وزملائنا, فيصيرالحب والغفران سهلاً والصلاة لأجل الناس وحمل أثقالهم من أولوياتنا.

خامساً:التخرج

في مدرسة العالم يوجد نهاية زمنية لعدد سنوات الدراسة التي ندرسها, فنصير أطباء أو مهندسين أو مدرسين قادرين على مزاولة المهن المختلفة, لكن في مدرسة المسيح لا يوجد عدد محدد من السنوات فيها نصبح تلاميذ ثم نتخرج من هذه المدرسة.
في هذه المدرسة نظل تلاميذ للمعلم طوال العمر, ففي كل يوم بالقرب من المُعلم نكتشف أننا مازلنا لا نعرف كل المعرفة، وغير فاهمين لكل الامور المختصة بملكوت السموات، ونحن في احتياج دائم إلى نعمة الله المغيرة التي تغير قلوبنا وعقولنا إلى شبه صورة المسيح، وبالتالي نظل ملتصقين رافعين أعيننا وقلوبنا نحو السيد والمعلم طوال حياتنا لكي يشكلنا.
– “فَفَسَدَ الْوِعَاءُ الَّذِي كَانَ يَصْنَعُهُ مِنَ الطِّينِ بِيَدِ الْفَخَّارِيِّ فَعَادَ وَعَمِلَهُ وِعَاءً آخَرَ كَمَا حَسُنَ فِي عَيْنَيِ الْفَخَّارِيِّ أَنْ يَصْنَعَهُ”.(إر18: 4)
– “أَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَصْنَعَ بِكُمْ كَهَذَا الْفَخَّارِيِّ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ يَقُولُ الرَّبُّ؟ هُوَذَا كَالطِّينِ بِيَدِ الْفَخَّارِيِّ أَنْتُمْ هَكَذَا بِيَدِي يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ”.(إر18:6)
– “فَقَالَ لَهُمْ: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كُلُّ كَاتِبٍ مُتَعَلِّمٍ “disciple” فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ يُشْبِهُ رَجُلاً رَبَّ بَيْتٍ يُخْرِجُ مِنْ كَنْزِهِ جُدُداً وَعُتَقَاءَ” (مت13: 52)

مدرسة المسيح مدرسة مختلفة تماماً عن كل طرق التعلّم السائدة في الحياة.. وكما رأينا في النقاط الخمس السابقة أن مدرسة المسيح ليست فصلاً دراسياً بعدد معين من الساعات في مكان مغلق منعزل عن العالم، بل هي مدرسة العمر كله يُعلمك فيها المعلم بكل الطرق التي يمكن أن تتخيلها والتي لا تتخيلها.. يأخذ بيدك ليُريك ويُعلمك ما هو الحق، ليس كنظريات تُدرس في الكنائس أو في معاهد اللاهوت بل الحق المعاش كما ينبغي أن يكون, وهو لا يعلمك فقط بل ويدربك أيضاً على ممارسة الحق لا لكي تحصل على شهادة من أحد بل لكي تتغير وتصير مشابهاً لصورة السيد والمُعلم, لذلك ندعوك من كل قلوبنا أن تقدم أوراقك لتحجز لك مكاناً في هذه المدرسة الرائعة؛ “مدرسة المسيح”.

في الحلقات القادمة سوف نتعلم أكثر كيف نُقدم حياتنا وقلوبنا وأذهاننا لكي نصير تلاميذ في هذه المدرسة