التلمذة 3


التلمذة 3

في هذه الحلقة، سوف نستكمل أوجه المقارنة بين مدرسة الرب يسوع والمدرسة اليونانية في التعليم:
ثالثاً: العلاقة بين المادة والمعلم
في نظام التعليم المطبق في مدارسنا, هناك فرق كبير بين المادة التي يتم تدريسها وبين المُعلم الذي يقوم بتدريس المادة, فليس من الضروري أن يكون المعلم مقتنعاً بما يُعلم أو حتى ملماً بكل جوانب المادة التعليمية التي يعلمنا إياها. إنه فقط يؤدي وظيفة يتقاضى عليها أجراً.
أما في مدرسة المسيح فلا يوجد أي إنفصال بين المادة التي يريد المسيح أن يعلمنا إياها وبين مُعلم هذه المدرسة، وذلك لأن المادة التي يريد المسيح أن يعلمها لنا هي حياته هو:
– “وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَمْ تَتَعَلَّمُوا الْمَسِيحَ هَكَذَا” (أف4: 20)
ليس الهدف من قراءة الكتاب المقدس أن نتعلم حقائق الإيمان أو حفظ الآيات رغم أهمية ذلك. إن الهدف الأساسي هو أن نتعلم المسيح نفسه, فنلاحظه في مواقفه الحياتية التي عاشها بيننا؛ كيف كان يتعامل مع الخطاة والعشارين, وكيف كان ينظر إلى قيمة المرأة في المجتمع, ونظرته إلى الأفكار اليهودية البالية, وشجاعته في إعلان الحق وهكذا.
– “لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئاً بَيْنَكُمْ إِلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوباً”. (1كو2:2)
فالمعلم في مدرسة المسيح يعلمني حياته, ليس ما يقوله بل ما يحياه بالفعل أيضاً…
لذلك يجب على التلميذ الحقيقي أن يمشي مقتفياً آثار المُعلم؛ يبحث عنه في الكتاب المقدس، وينظر إليه، ويتأمل في أقواله، ويشاهد حياته.

رابعاً:هدف التعلُّم
الهدف في مدرسة الحياة هو زيادة المعرفة والحكمة والفهم لكي نكون متميزين في أداء أدوارنا كي نحقق النجاح.
أما الهدف في مدرسة المسيح هو تغيير القلب وتشكيل الذهن ليكون مشابه لصورة المُعلم الحقيقي الوحيد, فليس الهدف هنا هو حضور الاجتماعات أوالذهاب إلى المؤتمرات لكي يمتلئ ذهني بالمعلومات, لكن مايريده الرب يسوع هو أن نسمح للروح القدس أن يغير قلوبنا وأذهاننا فنتحول إلى أشخاص مخلوقين بحسب قلب الله.
– “لَيْسَ التِّلْمِيذُ أَفْضَلَ مِنَ الْمُعَلِّمِ وَلاَ الْعَبْدُ أَفْضَلَ مِنْ سَيِّدِهِ يَكْفِي التِّلْمِيذَ أَنْ يَكُونَ كَمُعَلِّمِهِ وَالْعَبْدَ كَسَيِّدِه”ِ. (مت10: 24)
– فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ: هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَ تَصِيرَانِ صَيَّادَيِ النَّاسِ (مر1: 17)
عندما أحاول أن أعيش الحياة المسيحية بكل مبادئها دون أن يتغير قلبي ويتشكل ذهني، يكون النير ثقيل جداً والِحمل لا يطاق, لكن عندما أتعلم أن يكون قلبي مثل قلب المسيح أجد النير خفيف والحمل هين.
وبالتالي نستطيع أن نكون لطفاء مع أصدقائنا وودعاء مع عائلتنا ونكون قادرين على التنازل عن حقوقنا لأصدقائنا وزملائنا, فيصيرالحب والغفران سهلاً والصلاة لأجل الناس وحمل أثقالهم من أولوياتنا.

خامساً:التخرج

في مدرسة العالم يوجد نهاية زمنية لعدد سنوات الدراسة التي ندرسها, فنصير أطباء أو مهندسين أو مدرسين قادرين على مزاولة المهن المختلفة, لكن في مدرسة المسيح لا يوجد عدد محدد من السنوات فيها نصبح تلاميذ ثم نتخرج من هذه المدرسة.
في هذه المدرسة نظل تلاميذ للمعلم طوال العمر, ففي كل يوم بالقرب من المُعلم نكتشف أننا مازلنا لا نعرف كل المعرفة، وغير فاهمين لكل الامور المختصة بملكوت السموات، ونحن في احتياج دائم إلى نعمة الله المغيرة التي تغير قلوبنا وعقولنا إلى شبه صورة المسيح، وبالتالي نظل ملتصقين رافعين أعيننا وقلوبنا نحو السيد والمعلم طوال حياتنا لكي يشكلنا.
– “فَفَسَدَ الْوِعَاءُ الَّذِي كَانَ يَصْنَعُهُ مِنَ الطِّينِ بِيَدِ الْفَخَّارِيِّ فَعَادَ وَعَمِلَهُ وِعَاءً آخَرَ كَمَا حَسُنَ فِي عَيْنَيِ الْفَخَّارِيِّ أَنْ يَصْنَعَهُ”.(إر18: 4)
– “أَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَصْنَعَ بِكُمْ كَهَذَا الْفَخَّارِيِّ يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ يَقُولُ الرَّبُّ؟ هُوَذَا كَالطِّينِ بِيَدِ الْفَخَّارِيِّ أَنْتُمْ هَكَذَا بِيَدِي يَا بَيْتَ إِسْرَائِيلَ”.(إر18:6)
– “فَقَالَ لَهُمْ: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كُلُّ كَاتِبٍ مُتَعَلِّمٍ “disciple” فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ يُشْبِهُ رَجُلاً رَبَّ بَيْتٍ يُخْرِجُ مِنْ كَنْزِهِ جُدُداً وَعُتَقَاءَ” (مت13: 52)

مدرسة المسيح مدرسة مختلفة تماماً عن كل طرق التعلّم السائدة في الحياة.. وكما رأينا في النقاط الخمس السابقة أن مدرسة المسيح ليست فصلاً دراسياً بعدد معين من الساعات في مكان مغلق منعزل عن العالم، بل هي مدرسة العمر كله يُعلمك فيها المعلم بكل الطرق التي يمكن أن تتخيلها والتي لا تتخيلها.. يأخذ بيدك ليُريك ويُعلمك ما هو الحق، ليس كنظريات تُدرس في الكنائس أو في معاهد اللاهوت بل الحق المعاش كما ينبغي أن يكون, وهو لا يعلمك فقط بل ويدربك أيضاً على ممارسة الحق لا لكي تحصل على شهادة من أحد بل لكي تتغير وتصير مشابهاً لصورة السيد والمُعلم, لذلك ندعوك من كل قلوبنا أن تقدم أوراقك لتحجز لك مكاناً في هذه المدرسة الرائعة؛ “مدرسة المسيح”.

في الحلقات القادمة سوف نتعلم أكثر كيف نُقدم حياتنا وقلوبنا وأذهاننا لكي نصير تلاميذ في هذه المدرسة

أضف تعليق